كتب:الدكتور بهى الدين مرسى
تأملاية: وكأنهم يمنحون الخالق “دكتوراه فخرية” !!
أيام قليلة ونحتفل بعيد الأُم، وبالرغم من تحفظي الشديد على فكرة يوم الأم، إلا أنني أسعد معكم بل وأشارككم انحناءة تقدير وقبلة على رأس كل أُم.
..
إلى هنا ولا غضاضة في الاحتفال بهذه المناسبة والتي حُددت بيوم واحد، وكان الأحرى أن يكون عيدها كل يوم إلى أن نغادر الدنيا، ولكن الأمر المؤسف والخارج عن قياسات الأدب الإنساني، بل والمتضمن إساءة غير مقصودة لرب الكون، هو فرز الأمهات المُرشّحات لاختيار “الأُم المثالية” ضمن مسابقة على مستوى الجمهورية.
..
وبالطبع ستفوز بلقب الأُم “المثالية” واحدة أو اثنتان أو عشر أمهات من صفوف آلاف الأُمهات المتقدمات للمسابقة، وما دون الفائزات، فهي أُم ولكنها “غير مثالية” !!
..
تذكرت مبادرة طريفة تقدم بها مدرس ابتدائي في مدرسة حكومية لتكريم الأستاذ نجيب محفوظ بمناسبة حصوله على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، واقترح المعلم آنذاك أن يشارك كل طالب بمبلغ من مصروفه ويشترون هدية ويكرمون الأديب الكبير بشهادة ليفتخر بها، وبالطبع أُجهضت الفكرة لسذاجتها ولكن الطرفة لا تزال عالقة بذهني.
..
يا عزيزي، تأمل الآتي:
عندما شرع ربك في خَلقك، نفخ فيك من روحه، وهذه هي الخطوة الثانية في صنيعك بعد التقدير الإلهي، وبعدها عهد بك ربك إلى امرأة لتستكمل صنعتك فأودعك أحشائها لتأتي الدنيا من خلالها. هذه هي أُمك.
..
تخيل أن الأُم صاحبة “شراكة” مع الخالق لصنعك يا إنسان!!
..
وقبل أن تأول الحديث أو تتطاول، دعني أُذكرك بأن اللفظ هو “شراكة” وليس “شركاً”. حاشا لله أن يُشرَك به أو يُشرِك معه أحداً، ولكن أمر الشراكة مباح، بل دعانا الله في صور عدة للشراكة معه عبر تجارة رابحة.
..
عندما تُعرض السير (جمع سيرة) على السيد المحافظ، أو مسئول وزارة التضامن، يظل يدقق ليختار من بين المرشحات من محت أُميتها، ومن ترملت وأكملت المسيرة، …و… وبقية شروط المسابقة ليخرج علينا باسم السيدة التي تنال لقب “المثالية”. لاحظ أن الاختيار ليس للأُم، فكلهن أُمهات، ولكنه يختار من هي “المثالية”.
..
عفوك وغفرانك ربي، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولولا أنك عالم النوايا، لهلك من تجرأ على منحك الصك أو الشهادة بأنك “ممتاز”.
أهكذا أوصلكم السفه للعبث بمنازل قدرها الله سلفا، وكأنكم تعتلون على تكريم الخالق للأم وتمنحونها شهادة فوق منزلتها؟
برأيك، ألم تشفع شهادة رب الكون بمكرمة عبد لتأتي أنت وتتوج من كرّمه الله سلفاً؟
أي أُم هي بالفعل “مثالية” كما أقر الله بتكليف منه، فلا مساحة للتكريم من بعده أيها العبد.
..
أقدّر حسن النية في الاحتفالية باختيار الأم الأرملة أو الفقيرة أو التي تعول والتي كافحت وربت الأيتام والتي قدمت شهيداً للوطن وغيرهن، وليكن تكريمها عبر مفهوم المواطنة أو الإنسانية، أما منزلة الأمومة فهي شرف لا يعلوه تكريم.