كتب / د: أيمن حمادة
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً أساسياً في شتي مجالات الحياة ؛ حيث أضحي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية ، ولكن اتضح أنه لم يكتفِ ولم يقنع بذلك الدور حتي أصبح العامل الأساسي في العلاقات الدولية بين دول العالم في كثير من أوجه التعاون والالتقاء ، بالإضافة إلي بناء جسور العلاقات السياسية ، والدبلوماسية ، والتجارية ، والعسكرية ، والتكنولوجية ، وغيرها من المجالات التي من شأنها أن تمكن تلك العلاقات الدولية من النهوض بقدراتها.
فالذكاء الاصطناعي من الممكن أن يتسبب في عواقب وخيمة في العلاقات الدولية ، خاصة إذا كانت لإحدي الدول قدرات غير عادية في مجال الذكاء الاصطناعي مثل الصين ، والولايات المتحدة الأمريكية ، حيث أن الوصول إلي الأسلحة المستقلة واستخدامها من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلي تغيير في ميزان القوي العالمية ، فبدأ الاتجاه إلي دمج وإنشاء المجالات التقنية والذكاء الاصطناعي في المجال العسكري قد يتسبب في قلق العديد من حكومات الدول حول العالم .
حيث إن امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي يُعطي للدولة قوة كبيرة وقدرة فائقة علي التأثير في العالم وكذلك التأثير علي توازن القوي العالمية ، بالإضافة إلي ممارسة النفوذ والسيطرة علي كافة المستويات السياسية ، والاقتصادية ، والعسكرية ، والأمنية ، وغيرها .
ليس ذلك فحسب بل إن امتلاك الذكاء الاصطناعي وتقنياته المتطورة قد يؤدي إلي الحرب المعلوماتية بين الدول من خلال سرقة أسرار بعض الدول وتوجيهها لضرب اقتصاد تلك الدول ، بل والأخطر من ذلك أنه من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن لدولة أجنبية اختراق المجتمعات النامية للتعرف علي توجهات أفراد الدولة المناوئة لها سواء سياسية أو اجتماعية علي مواقع التواصل الاجتماعي ، ومن هنا يُصبح من السهل عليها الإضرار بمصالح الدولة وأمنها القومي .
إن الصراع علي امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي شجّع علي تطوير أجيال جديدة ومتقدمة من أنواع الأسلحة المتنوعة تفوق سرعة الصوت والضوء ، وكذلك تعتمد علي الإنسان الآلي وأشعة الليزر بشكل أساسي في صناعتها وتشغيلها ، مما أدي إلي اشتعال المنافسة في سباق التسليح العالمي بين الدول الكبري خاصة الصين ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وروسيا حيث أن هذه الدول قد قامت في الأعوام الأخيرة بتطوير أسلحة جديدة تقليدية وغير تقليدية ونووية مدمرة وكذلك الطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي ، كما أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير الأسلحة وإنتاجها يجعل تأثيرها التدميري يفوق مثيلتها من الأسلحة النووية ، فالأسلحة المعتمدة علي الذكاء الاصطناعي من الممكن برمجتها بحيث تعمل بدون تدخل أو توجيه بشري ، كما أنها تستطيع التحكم في عدد لا نهائي من المعدات التي تقوم بمهامها القتالية بدقة متناهية تفوق مئات المرات ما يُمكن أن يقوم به البشر . ومن هنا قد لعب ظهور الجيل الخامس للذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في نشوب أزمة في العلاقات الدولية بين أمريكا وروسيا ، حيث اتهمت أمريكا الحكومة الروسية بالتجسس علي النظام الأمريكي ، بالإضافة إلي التدخل عبر شبكات الإنترنت الروسية وفق أنظمة الذكاء الاصطناعي والتلاعب في نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016م ، مما أسفر عن وجود توترات وخلافات بين البلدين في ذلك العام . وبالتالي رغم أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تمتلك العديد من الجوانب الإيجابية التي تخدم البشرية في شتي المجالات ، إلا أننا عندما ننظر إلي الجانب الآخر ونبحث عن العيوب التي نشأت نتيجة تطور وتزايد استخدام تلك التقنيات ، فنكتشف أخطر عيب من هذه العيوب وهو ظهور الفجوة التكنولوجية بين الدول الكبري المالكة للقدرات الفنية والإمكانات البشرية والمادية التي تُمكّنها من التقدم في هذا المجال مثل أمريكا والصين وروسيا وبعض الدول الأوربية وبين دول العالم الثالث الغير مالكة للإمكانات التي تسمح لها بالمنافسة ، تلك الفجوة ستتسع للغاية والأخطر هو أن اتساعها سوف يتزايد مع مرور الوقت وهنا يأتي سؤال مهم إلي أين سيذهب العالم في ظل التطور المستمر والمتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي ؟
